موريتانيا والجريمة المنظمة.. نجاح أمني يتحدى أخطبوط الإجرام العابر للحدود

بعد الضربات القاصمة التي وُجِّهت إلى أبرز كارتلات الجريمة المنظمة الناشطة في مجالات الاتجار بالبشر، وتهريب المخدرات، والهجرة غير الشرعية، والرقيق الأبيض، في حوض الكاريبي وأمريكا اللاتينية، على يد إدارة مكافحة المخدرات الأمريكية (DEA) خلال تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية الجديدة، عمدت تلك الشبكات الإجرامية إلى تغيير وجهتها. فكانت بوصلتها الجديدة نحو القارة السمراء، عبر بوابتها الغربية، حيث تتسم أغلب دول الإقليم بهشاشة في البُنى الأمنية، وضعف في مؤسسات الرقابة، وتفشي الفساد الإداري والسياسي، ما جعل منها مرتعًا خصبًا لنشاط العصابات الدولية.
ولم تكن موريتانيا بمنأى عن هذا المخطط الإجرامي المحكم؛ بل رآها قادة تلك الشبكات رأس الحربة وواسطة العقد في استراتيجية التمدد نحو أوروبا، عبر مسالك الهجرة غير النظامية، وشبكات التهريب المنظم، وفق معطيات استخبارية وميدانية كانت بحوزة تلك التنظيمات.
وفعلًا، نجح كارتل أمريكا اللاتينية في تحويل غرب إفريقيا إلى ممر دولي لعبور المخدرات والبشر، بعد أن وضعوا موضع التنفيذ مسارات دقيقة التنظيم، تنشط عبر وكلاء محليين منتشرين في دول المنطقة، يسهرون على تأمين خط الإمداد إلى أوروبا.
لكن، وعلى عكس ما كانت تطمح إليه تلك الشبكات، لم تكن موريتانيا الحلقة الأضعف في هذه السلسلة؛ بل أثبتت الوقائع الميدانية والمعطيات الاستخباراتية عكس تلك التقديرات. فقد أظهرت إضبارات المراكز البحثية الأمنية التابعة لأجهزة دولية وإقليمية – بما فيها أجهزة إفريقية وأمريكية – حجم النجاح المتميز الذي حققته الأجهزة الأمنية الموريتانية في تفكيك هذه الشبكات وكسر شوكتها، لا سيما خلال السنوات الثماني الأخيرة.
لقد تحقق هذا الإنجاز بفضل المتابعة الدقيقة، والعمل الأمني الرصين، الذي ينفذ بصمت واحترافية بعيدًا عن الضجيج الإعلامي، من قبل وحدات أمنية متخصصة في مكافحة الجريمة المنظمة، لاسيما في مجالي تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية. وهو ما دفع شبكات الجريمة المنظمة إلى تغيير مساراتها نحو الشرق، مرورًا بدول الساحل حتى ليبيا، ثم إلى أوروبا عبر البحر الأبيض المتوسط، بعد أن غدت الأراضي الموريتانية عصية على الاختراق، بفعل يقظة أمنية قل نظيرها، وجهود مضنية بُذلت بإمكانيات محدودة، لكنها حققت نتائج استثنائية.
وتؤكد هذه النجاحات تقارير مؤشر الجريمة المنظمة العالمي، حيث جاءت موريتانيا في المرتبة 44 من أصل 54 دولة إفريقية خلال عام2023، وهو مؤشر واضح على تراجع معدلات تغلغل شبكات الجريمة المنظمة داخل البلد،(**) مقارنة بجواره الإقليمي.
وراء هذا النجاح، تقف كوكبة من الضباط الساميين الأكفاء، من أبرزهم المدير العام المساعد للأمن الوطني فضيلي ولد الناجي، الذي يُعد من أعمدة القطاع الأمني، وواحدًا من أصحاب الكفاءة العلمية والمعرفية العالية، المشهود له بالاقتدار والنزاهة والصرامة في العمل.
وبطبيعة الحال، فإن ضرب المصالح الكبرى لمافيا الجريمة المنظمة لا يمر دون ضريبة. فقد دأبت هذه الشبكات على استهداف الدول والقيادات الأمنية التي أوجعت ضرباتها تنظيماتهم، عبر حملات تشويه ممنهجة. ومن هنا نفهم الحملة المغرضة التي يتعرض لها فضيلي ولد الناجي في الآونة الأخيرة، على منصات التواصل الاجتماعي، من قبل أقلام مأجورة أو نفوس حاقدة، وبالتنسيق مع جهات مأزومة لا تدرك خطورة ما تقدم عليه، من خدمة لأجندات مشبوهة، ومخططات عابرة للحدود، تسعى إلى النيل من سمعة ومكانة المؤسسة الأمنية الموريتانية، وضرب الثقة الشعبية فيها، تمهيدًا لإعادة فتح مسارات التهريب والهجرة غير الشرعية عبر الأراضي الوطنية.
إن استهداف رموز الأمن الوطني لا يمكن فصله عن مسعى أوسع لإرباك المنظومة الأمنية، والتشويش على إنجازاتها، وهو ما يتطلب وعيًا مجتمعيًا حصيفًا، ودعمًا مؤسسيًا راسخًا، لتبقى موريتانيا حصنًا منيعًا في وجه أخطبوط الجريمة المنظمة، ومنارة إقليمية يُحتذى بها في مجال الأمن ومكافحة التهديدات العابرة للحدود.
رأي مواطن مخلص لوطنه