نحو توازن الأجيال: الخبرة أم الطاقة؟ إعادة نظر في معادلة التقاعد

بعد متأملٍ لواقع مؤسساتنا الوطنية ومكوناتها البشرية، يطالعنا مشهدٌ يستدعي وقفة جادة وتأملاً عميقاً. لقد بات جلياً أن معضلة التوظيف القائمة على الوساطة والمحسوبية في العقود المماضية قد أفرزت جيلاً من المنتسبين - في المدنية والعسكرية على حد سواء - يفتقر الكثير منهم إلى ركيزتي الكفاءة والخبرة الحقيقية.
وفي مقابل هذا، نجد ثروةً وطنية مهدرة، تتمثل في أولئك المتقاعدين الذين لا يزالون يمتلكون حيوية الجسد وثراء التجربة، خاصة في المجالات الفنية والتقنية والحساسة، حيث لا تعوض المعرفة الأكاديمية وحدها شحَن التجربة العملية.
إن الإشكال الحقيقي لا يكمن في سن رقمي محدد للتقاعد، بل في قيمة الخبرة المتراكمة التي نُهدرها باندفاع، وفي الكفاءة العملية التي نعزف عن بنائها بصبر. لقد أصبحت الدولة تتحمل عبئاً مزدوجاً: دفع رواتب لمن لا ينتجون بكفاءة، والاستغناء عن من يمكنهم الإنتاج والإرشاد.
إن الدعوة إلى مراجعة سياسة التقاعد بشكل عادل ومرن لم تعد ترفاً فكرياً، بل ضرورة مؤسساتية. يجب أن تسمح هذه المراجعة بالاستفادة من خبرة الكفاءات المخضرمة القادرة على العطاء، مع فتح المجال تدريجياً للشباب الواعد لتلقي هذه الخبرة تحت إشراف من هم أعلم وأخبر.
ولا نغفل هنا أن جزءاً من شبابنا اليوم، وإدراكاً منه لهذه الفجوة في الكفاءة، يتجه إلى المعترك السياسي بحثاً عن غطاء ونفوذ بديل، في حين أن هناك قللاً ممن تفرغوا لإتقان حرفتهم وعلومهم، وهم عن هذه الممارسات في غنى.
إن الحل لا يكمن في صراع بين جيلين، بل في تآزر مثمر. فالشباب طاقة تحتاج إلى التوجيه، والخبراء كنز يحتاج إلى إحياء. علينا بناء جسور التوريث المعرفي بينهما، فهذا هو الاستثمار الحقيقي الذي يبني مؤسسات دولة قوية ومستقرة.
بتاريخ : 15/09/2025
عالي اماهن/ م. المحقق الإعلامية
ر.م/ الحقيقة فقط