هجرة الشباب الموريتاني.. الفرار نحو المجهول
زادت العولمة من حركة العمالة، وفي كثير من الدول المتقدمة، أدى تراجع الخصوبة وأعداد السكان في سن العمل إلى تزايد الطلب على العمالة من الخارج من أجل استمرارية اقتصاداتها. ويعد المهاجرون الاقتصاديون الجماعة الأسرع نموا بين المهاجرين في العالم.
وعن تداعيات هجرة الشباب من موريتانيا إلى العالم الخارجي فإني أتوقع بأنها ستؤدي إلى فقدان اليد العاملة المحلية وإحلال محلها اليد العاملة الأجنبية الأن غالبية المهاجرين ينتمون إلى الفئة العمرية التي تتراوح ما بين 18 و35 عاماً، وهي الفئة الأكثر قدرة على النشاط والعمل، وتقدم معظم الاستطلاعات والدراسات نتائج هامة للحد من ظاهرة هجرة الشباب بضرورة أن تتداعى قيادات الشعب الموريتانيا وجميع قوى المجتمع المدني إلى تبني خطة وطنية شاملة وموحدة للشباب تعتمد على مبدأ دعم المشاريع الشبابية التي تعمل على خلق فرص عمل وتنشيط الاقتصاد الموريتاني للحد من البطالة، التي تعتبر من عوامل زيادة رغبات الشباب نحو الهجرة، بالإضافة إلى ضرورة إشراك الشباب في العملية السياسية وصنع القرار وإتاحة لهم حرية الرأي والتعبير خاصة في القضايا التي تخصهم.
ونشير هنا إلى أن فئة الشباب تحتل أولوية مركزية في تعهدات فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، لذا سعينا في الفترة التي كنت فيها وزيرا للشباب أن تعمل الحكومة إلى مواءمة السياسات القطاعية لتلبية حاجات الشباب، في مجالات التعليم والتكوين وتوفير التشغيل اللائق وبناء القدرات ليتحمل الشباب مسؤولياتهم كاملة وليساهموا في بناء موريتانيا العزيزة.
وفي هذا الإطار، عملنا في وزارة الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان على توجيه مسارات الشباب، والبحث عن أنجع المقاربات من أجل تكوين شباب مزدهر ومستقل ومتمكن، ينتقل من السعي للحصول على الدعم إلى خلق الثروة وفرص العمل، ومن السلبية إلى المشاركة الايجابية والمرنة والإسهام في التنمية المحلية والابتكار والتحول الاجتماعي.
ولتجسيد هذا التوجه، عكفت وزارة الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان على إعداد استراتيجية وطنية للشباب وأخرى للرياضة وذلك من خلال مسار تشاركي يتبنى المشاورات واللقاءات الحوارية مع الشباب مباشرة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما سيسمح بتشخيص جميع العوائق والتحديات التي تواجه الشباب والتصدي لها عبر حزمة الأولويات الأساسية التي يجب تحقيقها لصالح الشباب والواردة في تعهدات فخامة رئيس الجمهورية والتي تم الشروع فعلا في تنفيذها من خلال:
- زيادة الدعم المخصص للمنظمات الشبابية والأندية الرياضية؛
- إنشاء برنامج وطني للتطوع والخدمة المدنية (وطننا) سيمكن الشباب من ممارسة التطوع المؤسسي وخدمة الصالح العام والمساهمة في جهود تنمية البلد؛
- تنظيم الحركة الجمعوية الشبابية وضمان تمثيل الشباب في جميع دوائر اتخاذ القرار؛
- تشييد وتجهيز البنى التحتية الثقافية والشبابية والرياضية اللائقة والعمل على تعميمها وتقريبها من المستخدمين؛
- وضع النصوص القانونية والتنظيمية الضرورية لتنظيم وتمهين العمل الثقافي والشبابي والممارسة الرياضية.
- اًطلقنا بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للتنمية مبادرة يوث كونكت موريتانيا من خلال المنصة الرقمية الوطنية للتطوع والتي ستمنح للشباب حيثما كانوا فرصة التسجيل ضمن قاعدة بيانات المتطوعين الشباب وتحديد مجالات العمل التطوعي التي يرغبون الانضمام لها.
- أطلقنا بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للتنمية المنصة الرقمية الوطنية والتي ستمنح للشباب فرصة للتعبير عن وجهة نظرهم في القضايا التي تخصهم.
- أقمنا مخيمات صيفية من أجل أن يلتقي الشباب لطرح مشاكلهم ومحاولة حلها من طرف السلطات العليا.
- استحداث لائحة برلمانية خاصة بالشباب يدخل ضمن جهود تعزيز أداء هذه الشريحة في مختلف المجالات التنموية.
- عملنا مع الإلكسو على أن يبدأ معهد الفنون في تكوين الشباب أصحاب المواهب في مجال الفنون والمسرح من أجل خلق فرص عمل للشباب.
- وقعنا اتفاق مع المنظمة الفراكفونية لي إنشاء إذاعة لشباب دول الساحل ومقرها في نواكشوط تهتم بمناقشة مشاكل الشباب وهمومهم من أجل يجاد حلول لها.
- جهزانا أغلب دور الشباب بالمقاعد وشاشات تلفزيونية من أجل ملء وقت الفراغ.
ونشير هنا إلى أن طريق المهاجرين ليس معبداً كما يعتقد البعض، فقد يكون المهاجرون غير المؤهلين عرضة للعديد من العقبات التي تشكل تحدياً لهم قبل تحقيق التكيف والاندماج في المجتمع الجديد، وهذه العقبات هي:
- قد يعاني المهاجر من البطالة إن لم يكن قد أمن فرصة العمل في المجتمع المضيف قبل الوصول إليه وبالتالي يبقى بلا مورد.
- قد يكون المهاجرون عرضة للتنمر والتمييز العنصري بحقهم في المجتمع المضيف، لذا يجب أن يكون المهاجر مستعداً لمواجهة احتمال كهذا وإلا شكل هذا الأمر أزمة نفسية تضاف لأزمة الاغتراب التي يعيشها لأنه ترك أهله.
- حواجز اللغة إتقان اللغة عنصر مهم يجب أن يمتلكه المهاجر، وإلا سيضطر لتعلم اللغة الجديدة وما يشكله ذلك من تحدٍّ وصعوبة تواصل مع الآخرين في البلد الذي وصله للتو
وخلاصة القول إن ما أنفقه شبابنا من أموال في الهجرة لو تم استثماره من قبلهم في مؤسسات مشتركة لتحسنت أحوالهم المعيشية وانتعش اقتصادنا، أما المؤشرات الاقتصادية فتبشر بمستقبل زاهر في مجال خلق فرص عمل للشباب.
الدكتور ختار ولد الشيباني - أستاذ محاضر بجامعة نواكشوط