المختار ولد داهي يكتب: العلاقات الموريتانية-السعودية تاريخ في خدمة المستقبل
لا شك أن العديد من سكان موريتانيا تعود أصولهم إلى المشرق العربي، ضمن هجرتين شهيرتين، إحداهما بعد انهيار سد مأرب إذ هاجرت مجموعات حميرية وتوقفت رحلتها الطويلة في بلاد شنقيط، فيما تمثلت الأخرى في هجرة المعاقلة الحسَّانيين من الجزيرة العربية إلى الصحراء الكبرى، أو ما سيعرف لاحقا بموريتانيا.
منذ تلك الأزمنة الغابرة، ارتبط الشناقطة بوشائج متشعبة ببلاد العرب خاصة السعودية التي أكرمت حجيجهم واحتضنت علماءهم ووظفتهم في الإدارة والقضاء والتعليم. فكانت نِعْمَ المضيف المرحب الحاضن لآلاف الموريتانيين الذين تميزوا علما و استقامة و مازال الخلف منهم عاضَّا بالنواجذ على نهج السلف.
ودأب ملوك السعودية وأمراؤها وأكابرها على إجلال وإكرام الشناقطة. ولعل التلال والأنجاد والأودية في بلاد شنقيط ما تزال تنشد مع العلامة الدَّنَبْجَه بن معاوية قوله في جلالة الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله:
يجود بماله طلِقُ المحيّا إذا كعْبُ ابنُ مامة لا يجودُ
لعمرك ما أبٌ كأبيه عدلاً ولا كجدوده عدلاً جدودُ
لقد حمدَتْ ولايتك الحبارى وأمُّ الخشف والوعل الحيودُ
وأهل البحر الاحمر حامدوها وحامدة عدالتك الهنودُ
ولو قال الإله لهم: تمنّوْا، تمنّوْا طول عمرك يا سعودُ
إنه الإكبار الذي توجته زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله لموريتانيا مخلفا عظيم الأثر في نفوس كل الشناقطة.
ومع وصول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لسدة الحكم في المملكة، استبشر الموريتانيون خيرا وازدادوا تعلقا بتلك الأرض الطاهرة لأن الملك كثيرا ما نقل عنه اعتزازه بعلاقته بالشناقطة.
وإذا كانت علاقات الأخوة قد ترسخت منذ قرون بفعل التعاطي الثقافي والعلمي بين الشعبين، فإن زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، فبراير 2020، جاءت لتعطي دفعا قويا لتلك العلاقات الضاربة في القدم. إنها تعبير جدي عن سعة آفاق التعاون والتشاور بين الحكومتين والشعبين في ظل تطابق منقطع النظير في وجهات النظر حول القضايا الدولية والإقليمية. لقد مكث الرئيس الموريتاني، مكرما، ثلاثة أيام في المملكة السعودية أجرى خلالها مباحثات مثمرة مع ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، كما تم خلالها التوقيع على برامج ومذكرات تفاهم في مجالات مختلفة ومهمة.
وللدولة السعودية مواقف متعدده مع موريتانيا، فهي تؤازرها، في الوقت الراهن، في جهودها بمنطقة الساحل الرامية لمحاربة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار والسلم، كما ظلت السعودية تدعم موريتانيا من خلال مؤسساتها التنموية المختلفة خاصة الصندوق السعودي للتنمية و غيره من الآليات التنموية، فضلا عن الجمعيات الخيرية والإنسانية. فأصبحت بذلك أكبر ممول عربي للمشاريع التنموية في البلاد، كما تشهد و تصدعُ بذلك العديد من المنشآت التنموية و الاجتماعية...
ويجدر بنا أن ننوه بالدور الرائد للمملكة العربية السعودية لإنجاح منتدى الاستثمار في موريتانيا، حيث شارك فيه وزير المالية السعودي، وأعلن عن استثمارات سعودية ضخمة في بلادنا، معتبرا أن هذا البلد يمكن للتعاون معه أن يفيد الشعبين الشقيقين. وقبل سنوات، أعلن البنك الإسلامي للتنمية ( مقره جده)، خلال اجتماعات شركاء موريتانيا في بروكسل، عن تقديم تمويلات لبلادنا تصل إلى 700 مليون دولار لدعم جهود التنمية.
و يساهم الصندوق السعودي للتنمية في موريتانيا بـتمويلات ضخمة في صيغة هبات و قروض ميسرة لدعم مختلف مجالات التنمية، خاصة البنى التحتية والكهرباء والمياه والمناجم و التعليم و الصحة.
و فى مجال الصحة ، قدمت المملكة العربية السعودية لموريتانيا عونا متنوعا : تشييدا و توسعة لمستشفيات و منحا لتجهيزات و تفويجا لبعثات طبية متخصصة عالية المستوى تعالج المرضى ذوى الأمراض المستعصية... و الخطوات حثيثة الآن لتشييد أكبر مستشفى بنواكشوط يحمل إسم خادم الحرمين الشريفين.
إنهُ قليل من كثير ،أردت تسطيره للإشارة الخاطفة إلى ما قدمته السعودية لموريتانيا من دعم جزيل و عون سخي كل الموريتانيين ألسنتهم رَطِبَةٌ من ذكره و شكره.
أتشرف اليوم بزيارة عمل للملكة العربية السعودية تلبية لدعوة كريمة من أخي وزير الصحة بالمملكة العربية السعودية فهد بن عبد الرحمن الجلاجل وهي مناسبة لاستعراض محفظة التعاون بين بلدينا فى مجال الصحة و استشراف مزيد آفاق التعاون و الاستفادة من تجارب المملكة العربية السعودية الشقيقة فى تطوير المنظومة الصحية بكافة مكوناتها.