هل ستختفي مجموعة دول الساحل أم أنها ستتوسع بدفع فرنسي نحو دول خليج غينيا؟
سؤال كبير مطروح اليوم على المستويين الإقليمي والدولي: ما هو مصير مجموعة دول الساحل الخمس، التي تضم موريتانيا ومالي والنيجر والتشاد وبوركينافاسو، والتي يعول عليها الجميع في التصدي للإرهاب في المنطقة الساحلية؟
وهل ستبقى هذه المجموعة متماسكة بأهدافها وكامل أعضائها بعد أن تغيرت خارطة التدخل الدولي بانسحاب فرنسا من مالي، وهي المتهمة منذ تأسيسها عام 2014، بمحدودية النتائج المحققة في مكافحة الإرهاب؟
يجمع المحللون والمراقبون على أن النظر لا بد أن يعاد في وضع مجموعة الدول الساحل الخمس وفي قوتها العسكرية المشتركة، بعد التطورات التي حدثت مؤخراً في المنطقة الساحلية، كالانقلابين اللذين حدثا في مالي وبوركينافاسو، العضوين في المجموعة، وكاتساع وتمدد التهديد الإرهابي نحو دول خليج غينيا.
وكان الأمين العام للأمم قد أكد في تقريره الصادر في أيار / مايو 2021، أن “القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل تتقدم نحو الاضطلاع بمهامها، لكنها ما تزال مشلولة بافتقارها للوسائل المالية واللوجستية، التي ستجعلها مستقلة وقادرة على التحرك بحرية واقتدار”.
ودعا الرئيس الموريتاني محمد الشيخ الغزواني، في خطاب أمام القمة الخامسة والثلاثين للاتحاد الإفريقي التي عقدت مؤخراً بأديس أبابا، إلى “مضاعفة دعمه لمجموعة دول الساحل الخمس خاصة في ظروف مراحل الانتقال السياسي التي تمر بها بعض دولها والتي قد تسهم في تعميق هشاشة وضعها العام”.
وجاءت هذه الدعوة لتؤكد تشبث الرئيس الموريتاني بمجموعة الساحل التي يعود لموريتانيا الفضل في تأسيسها عام 2014، رغم ما يحيط بهذه المجموعة اليوم من عراقيل بسبب الانقلابين العسكريين في مالي وبوركينافاسو، أكثر أعضاء المجموعة تعرضاً للعمليات الإرهابية.
وأكد الغزواني في خطاب أمام القمة الإفريقية “أن مجموعة دول الساحل الخمس تعاني من نواقص عديدة، وتواجه تحديات متعددة الأبعاد، غير أنها تظل في هذه المنطقة الإطار الأكثر ملاءمة لمواجهة الإرهاب على نحو فعال”.
وأضاف “أن مجموعة دول الساحل الخمس تحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى المؤازرة من الاتحاد الإفريقي، فليس لنا، يضيف الغزواني، من سبيل غير الحوار والتعاون وتنسيق الجهود، لننتصر جماعياً على العنف والإرهاب، ولنؤسس معاً لتنمية قارية شاملة ومستديمة”.
وقال: “يتأكد من التقرير الذي عرض علينا أن إسكات السلاح واستعادة الأمن والاستقرار أصبحا من ألح الأولويات وأقواها ضرورة بحكم كونهما شرطاً في إمكان تأسيس تنمية قارية مستدامة”.
“ولذا، يتعين علينا في الاتحاد الإفريقي، يقول الرئيس الموريتاني، الحرص على تضافر جهود مختلف دولنا وعلى تحسين مستوى التنسيق بين هيئاتنا ومنظمتنا الفاعلة على صعيد حفظ السلام ومكافحة الإرهاب والعنف واستعادة الأمن والاستقرار”. وقال: “على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها مجموعة دول الساحل الخمس وشركاؤها، والنتائج الملموسة التي تحققت ميدانياً، فإن الوضع الأمني العام في هذه المنطقة لا يزال مقلقاً، فالإرهاب يتمدد يوماً بعد آخر خارج حدود هذه الدول، مشكلاً بذلك خطراً جسيماً على القارة بمجملها”.
وتؤكد مصادر دبلوماسية غربية في نواكشوط “أن القوة المشتركة لمجموعة دول الساحل، التي كانت قوة برخان الفرنسية تتولى تخطيط وتنسيق عملياتها، لم تقم بأي نشاط يذكر منذ عدة أشهر”.
وسجلت آخر عملية لهذه القوة مستهل شباط/فبراير المنصرم، لكن لم يشارك فيها سوى ألوية النيجر والتشاد.
ويؤكد الخبير البوركينابي محمد سوادوغو، المتخصص في قضايا الساحل، “أنه من المستحيل أن تحل قوة دول الساحل العسكرية المشتركة محل كتيبة برخان الفرنسية، لعدم قدرة هذه القوة على ملء الفراغ الذي سيتركه الفرنسيون بعد انسحابهم من مالي، الذي حددوا شهر يونيو القادم لنهايته، رغم أن السلطات الانتقالية المالية طلبت أن يكون انسحاباً مباشراً لا تأخر فيه”.
وأضاف: “هناك عراقيل أخرى تقف أمام قوة الساحل، بينها اعتمادها الكامل على الكتيبة الفرنسية التي ستغادر مالي، وبينها الانقلابان في مالي وبوركينافاسو، والخلاف بين مالي والنيجر، والعقوبات التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا على مالي”.
وأكد الخبير “أن انشغال مالي وبوركينافاسو عن قضايا مجموعة دول الساحل الخمس، بمشاكلهما الداخلية، يؤثر بشكل كبير؛ لأن هذين البلدين يشكلان مع دولة النيجر النواة الرئيسية للمجموعة، والمكان الذي يتركز فيه العنف الجهادي المسلح”.
وزاد: “لا يمكن بدون الدول الثلاث المذكورة، أن يكون لمجموعة دول الساحل الخمس أي أهمية، بل إن مؤشرات كثيرة تؤكد احتمال حلها لما يعترض سبيلها من عراقيل وعوائق”. وتفكر فرنسا ضمن إعادة نشرها لقوتها العسكرية والأمنية المسحوبة من مالي، في توسيع تعاونها الإقليمي نحو الدول المطلة على خليج غينيا مثل ساحل العاج، وغانا، والتوغو، وبنين.
ولا يستبعد الخبراء المتابعون لهذا الشأن أن تسعى فرنسا لتوسيع مجموعة دول الساحل الخمس نحو بلدان خليج غينيا المذكورة، وهو ما لن ترفضه هذه الدول التي أصبحت مهددة بالإرهاب على نطاق واسع.
ويقول الخبير البوركينابي محمد سوادوغو، المتخصص في قضايا الساحل: “أعتقد أن فرنسا تفكر بجد في توسيع مجموعة دول الساحل الخمس نحو الدول المطلة على خليج غينيا، وهي خطوة ستجذب الممولين، وستحل بالتالي مشكلة التمويل التي تعاني منها القوة العسكرية المشتركة لدول الساحل”.
لكن ويليام أسانفو، الخبير في القضايا الأمنية بمعهد الدراسات الأمنية، لا يوافق على تحليل الخبير البوركينابي، فقد أكد في مقابلة أخيرة “أن تمدد مجموعة دول الساحل الخمس للنشاط في المناطق الحدودية للبلدان الشاطئية، ليس خطوة ذات أهمية”.
وقال: “لقد أسست مجموعة الدول الساحل الخمس في سياق خاص وفي منطقة جغرافية خاصة، تعاني من انعدام صارخ للأمن والاستقرار”.
وأضاف الخبير ويليام: “أرى أن الأفضل هو بقاء مجموعة دول الساحل الخمس داخل النطاق الجغرافي الذي أسست في الأصل للعمل داخله ومن أجل تأمينه”.