موريتانيا والجزائر.. آفاقٌ متعددة لعلاقةٍ إستراتيجية
تكتسي القمة الثنائية الأولى بين الرئيسين محمد ولد الشيخ الغزواني وعبد المجيد تبون المكلِّلة لزيارة الرئيس الموريتاني إلى الجزائر أهمية قصوى في تطوير وتفعيل أواصر العلاقة بين البلدين اللذين يتشاركان عمق التاريخ وروابط الجغرافيا ويتناغمان في كثير من الطروح والمقاربات الإقليمية والدولية.
وقد تعزَّزت خلال السنتين المنصرمتين من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني علاقاتُ موريتانيا والجزائر، وبدا أن الجزائريين أيضا حريصون على كسب رهان العلاقة مع موريتانيا، خصوصا بعد رحيل الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وبداية تنافس إقليمي على العلاقة مع النظام الجديد.
تاريخ علاقات متموِّجة
يعود تاريخ العلاقة بين موريتانيا والجزائر إلى بداية استقلال البلدين، وقد كانت موريتانيا الحديثة النشأة من بين الدول الداعمة للثورة الجزائرية، وقد توطّدت العلاقة بين البلدين طيلة عقديْ الستينيات وأغلب السبعينيات قبل أن تتوتر بعد ذلك بسبب تباين موقفَيْ موريتانيا والجزائر من حرب الصحراء.
وقد فقدت موريتانيا خلال تلك الفترة حليفا مهمّا، إذ كان وزير الدولة للسيادة أحمد ولد محمد صالح يقول إن موريتانيا تتفق مع الجزائر في كل شيء، باستثناء قضية الصحراء، وتختلف مع المغرب في كل شيء باستثناء قضية الصحراء.
وإلى بداية الحرب، كانت الجزائر قد دعمت موريتانيا بتكوين عددٍ كبير من الأطر في مختلف التخصُّصات، كما رعت أيضا وبسرّية مطلقة عملية إنشاء العملة الوطنية، الأوقية.
كما منحت الجزائر موريتانيا حصّة مجانية من البترول لتزويد مصفاة نواديبو الحديثة النشأة، والتي تعطّل عملها أثناء الحرب. هذا بالإضافة إلى استثمارات جزائرية متعدّدة في مجال الصيد.
ومع سقوط نظام الرئيس المختار ولد داداه، استطاعت الجزائر توطيد علاقاتها بقوّة مع الحكام العسكريين لموريتانيا، خصوصا في عهد الرئيس محمد خونه ولد هيدالة، كما استطاع الأمن الجزائري توفير معلومات للنظام الموريتاني عن محاولة انقلاب 16 مارس 1981، كما وفرت بعد ذلك معلوماتٍ مماثلة عن محاولة ضباط زنوج تنفيذ انقلاب عسكري سنة 1987، إذ كان عددٌ من هؤلاء يتلقّون تدريبا عسكريا في الجزائر.
سنوات الجمر.. غيابٌ عن المشهد
مع غرق الجزائر في سنوات الجمر والدم وانكفائها على نفسها طيلة أكثر من عقدين، عاشت العلاقات بين البلدين، حالاتٍ من الضعف والفراغ، خصوصا أثناء أحداث 1989؛ إذ كانت الرباط منحازة للسنغال، كما لم تسدّ الجزائر فقدَ موريتانيا لحليفها العراقي الذي كان أبرز داعم عربيٍّ لها منتصف الثمانينيات.
ومع نهاية حكم معاوية ولد الطايع، واكبت الجزائر الانتقالَ الديمقراطي في موريتانيا، كما كانت داعما اقتصاديا لها طيلة تلك الفترة، قبل أن تتوتر العلاقة مجدَّدا بين البلدين، إثر الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز، إذ رأت الجزائر في ذلك التصرُّف انقلابا مغربيا للتحكُّم أكثر في موريتانيا، وقد كانت ورقة الاتحاد الإفريقي أبرز ورقة استخدمتها الجزائر ضد نواكشوط.
وفي فترةٍ لاحقة وبعد توتر شديد في العلاقة بين نواكشوط والرباط، أخذت العلاقات بُعدا جديدا مع التحسُّن الظرفي، فتمَّت إقامة معبر حدودي، إضافة إلى التخطيط لإقامة طريق عابر يربط بين ازويرات الموريتانية وتيندوف الجزائرية.
آفاق العلاقة وفرص التكامل
مع توجُّه الجزائر إلى تعزيز علاقاتها الدولية عبر هيئةٍ دولية خاصّة للتعاون الدولي، ورهانها على إمكانية تحقيق تعاون، وسعي موريتانيا إلى شراكة دولية فعَّالة، مع تأكيدها على الحياد في قضيّة الصحراء، تنفتح أمام البلدين فرصٌ هائلة للتعاون والتكامل في مجالات متعدِّدة من بينها:
الأمن ومواجهة الإرهاب: خصوصا أن البلدين يملكان مقاربتين تتقاطعان في كثير من الأمور من بينها تحصين الجبهة الداخلية، ورفض القتال خارج الحدود، كما يمكن للبلدين أن يحرزا تقدُّما في تحقيق السلام في مالي، حيث يتشارك البَلدان حدودا جغرافية وتداخلا اجتماعيا مع البلدين.
التكامل الاقتصادي: خصوصا أن موريتانيا ستمثل معبرا مهمّا للبضائع والسِّلع الجزائرية إلى إفريقيا، وستمكِّن التجارةَ الجزائرية من تطوير أدائها في المنطقة.
نقل الخبرة الزراعية الجزائرية إلى موريتانيا: التي تعمل على تحقيق اكتفاء ذاتيّ في التنمية الحيوانية والزراعية.
دعم التصنيع الغذائي في موريتانيا: خصوصا في ظل التجربة الجزائرية التي حققت لسنوات الاكتفاء الذاتي وطردت شبح الجوع عن جميع الأرض الجزائرية.
كما أن موريتانيا والجزائر قادرتان على تعزيز تحالف الممانعة العربية، أو إعادة ترميمه على الأقل.
بقلم: محمد سالم محمد