النائب ولد سيدي مولود يكتب عن معاناة الداخل الموريتاني
إقامة شهر في الأعماق كفيلة بجعل أي شخص يحمل رسائل المعاناة في مختلف أوجه الحياة إلى صناع القرار في نواكشوط.
وتبدأ معاناة الأعماقيين بارتفاع الأسعار الجنوني الذي تعالجه السلطات الحالية بتثبيت الهامش الأهم في هذه الأسعار وبطريقة مخجلة وسياسة ضعيفة مرتبكة لا يثق فيها المواطن ولا يحترمها التاجر ولا ينفذها وكيل السلطة، لقد ضاع الشعب بسبب تضاعف أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية الضرورية في ظل النظام الحالي (النسخة المتحورة من النظام السابق: نفس الحزب، الأغلبية المحكوم بها، نفس الأوجه باستثناءات قليلة هامشية ومحدودة التأثير).
من مشاكل الأعماق فشل الحكومة الذريع في مشكل الطرق، فأطول وأهم طريق في البلد يعيش وضعا كارثيا، لا يهتم الأعماقيون للشركات الخصوصية المحظية بالصفقات سواء كانت شركات عائلية للنافذين وحواشيهم أو كانت شركات لمتخصصين في إفلاس المؤسسات العمومية، أو كانت شركات عمومية تنخرها الزبونية والفساد في التعيينات والصفقات، المهم أن طريق الأمل في مأزق وأن سالكيه يعانون، ومن يلاحظ السيارات المتعطلة عليه بشكل متكرر خاصة بين بوتيلميت وآلاك يدرك جزءً يسيرا من الخسارة بسبب إهمال هذا الطريق وهي خسارة قد تتجاوز الماديات إلى البشر، ناهيك عن ألم المرضى المنقولين عبر هذا الطريق حتى ولو كانوا في سيارات إسعاف!
لا يهتم الأعماقيون، وخاصة سكان الحوض الشرقي بضجة مهرجان التنمية الحيوانية، لا ذكر ولا أثر لذلك المهرجان، لم يترتب عليه أي شيء ميدانيا. الواقع أن كثيرا من الأعماقيين قلقون بسبب ضعف معدل الأمطار هذا العام ففي وقت سيفقد الآلاف مصدر قوتهم المتمثل في الزراعة المطرية، فإن المنمين منشغلون بمآلات توفير الأعلاف كمًا وثمنا، ولا يبشر واقع المواد الغذائية بخير فنظام فشل في توفير الغذاء للبشر بثمن مناسب، هو أفشل في توفير الأعلاف والخطط ذات الصلة.
الآن يبدأ موسم "ألاوَ" وتكثر الملاريا وأمراض الخريف ويعاني الأعماقيون تردي واقع النقاط الصحية، فأغلبها تنقصه الأدوية والكادر البشري الكافي والتجهيزات.
حتى في الاتصالات يعاني سكان الريف في أغلب الولايات من نهب شركات الاتصال لهم، فرغم وجود نقاط تقوية البث في بعض القرى فإن كثيرا منها يُسرق رصيده المخصص للانترنت دون أن يستطيع إرسال أو استقبال أي رسالة صوتية أو تصفح أي موقع الكتروني.
لا يهتم الأعماقيون كثيرا بنخبة نواكشوط وصراعاتها، فظروف الحياة هي مدار النقاشات، لا يعولون على السلطات ولا السياسيين، الحديث حديث حياة صرف في مجتمع لم تقدم له الدولة أي خدمة مغرية وتعجز النخبة عن الوصول إليه بخطاب توعوي يجعل كل مواطن يدرك ما له من حق فيطالب به ويغضب حال حرمانه، وما عليه من واجبات فيقوم بها.
إن من أخطر تأثير تجليات تغييب وغياب ساكنة الداخل عن معركة السعي إلى التغيير إحساس الحكام المختلفين بوجود خزان انتخابي دائم ومريح يكفيهم شر أي عقاب شعبي في نواكشوط الذي يتمتع بثقل سكاني كبير، ووعي متزايد وظروف خدماتية سيئة، فما يقدمه نواكشوط يكبحه الداخل وبقوة أكبر. لذلك لا أمل في تغيير الواقع تغييرا جادا ما لم تصل النخبة الجادة إلى الأعماق وتؤثر فيه تأثيرا حقيقيا، وهذا يحتاج جهد عدة جهات منها الأحزاب والسياسيين والإعلاميين والمدونين وصناع الرأي، ومنها _ بكل تأكيد _ الجاليات لأنها قوى واعية مستقلة في معاشها ترتبط بشبكات القرابة والتأثير مع سكان الداخل ويسمعون منها ما لا يسمعونه من غيرها.
إن "الأعماق" _ ككل البلد _ بحاجة لاهتمام أعمق!
(الصورة من سيارة خربها طريق الأمل بين الاك وبوتيلميت)
أهلا وسهلا بالأحبة .. افتقدتكم كثيرا وإلى مرحلة جديدة من معارك الوطن ..
لنبذرْ ونحصدْ ..
من صفحة النائب محمد الامين سيدي مولود على الفيسبوك