نيويورك تايمز: التعذيب وصمة عار على جبين أميركا منذ عقدين
بعد 20 عامًا على هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، لا تزال الولايات المتحدة تكافح عواقب الاستجوابات الوحشية التي تُجرى باسم الأمن القومي.
محمد ولد صلاحي مهندس موريتاني وسجين سابق في غوانتانامو؛ درس هندسة الاتصالات بألمانيا، واتهمته واشنطن بالضلوع في هجمات 11 سبتمبر، فأودعته سجن غوانتانامو 14 عاما؛ عانى فيها "صنوف العذاب"، وأفرجت عنه عام 2016، وكان الوحيد بين سجناء غوانتانامو الذي سلمته بلاده للإدارة الأميركية.
وتناول تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية تفاصيل التعذيب الذي تعرض له ولد صلاحي صيف عام 2003 في غوانتانامو.
كان هناك الحراس الذين هددوه بهجوم الكلاب وضربوه بشدة حتى كسروا ضلوعه. وقام الجنود -الذين قيدوه- بترويعه بموسيقى "الهيفي ميتال" والأضواء القوية، وغمروه في الماء المثلج، وحرموه من النوم شهورا متتالية، إضافة إلى عزله بطريقة تشل العقل في زنزانة مظلمة من دون المصحف الخاص به.
كما تعرضت له الحارسات اللاتي كشفن أنفسهن أمامه ولمسنه بطريقة جنسية في محاولة لاستفزازه دينيا.
لكن ما ترك صلاحي في حالة من اليأس المطلق -كما قال- هو المحقق الذي حاول تهديده من أجل إجباره على الاعتراف بأنه متواطئ في التخطيط لهجوم إرهابي.
قال المحقق في رواية ولد صلاحي "إذا لم تعترف بذلك، فسنختطف والدتك ونغتصبها". ورد ولد صلاحي علهم "هذا غير عادل". وأجاب المحقق حينها "أنا لا أبحث عن العدالة؛ أتطلع إلى منع الطائرات من ضرب المباني في بلدي".
ورد صلاحي "أنت بحاجة إلى القبض على هؤلاء الناس، وليس أنا".
اليوم، تقول نيويورك تايمز إن ولد صلاحي (50 عامًا) رجل حر في موريتانيا، موطنه في غرب أفريقيا، بعد ما يقارب 15 عامًا في الاعتقال، مع تهديده خلالها بعقوبة الإعدام.
في النهاية، تم الإفراج عنه عام 2016 من دون توجيه أي تهمة له، وسحبت الاعترافات التي أدلى بها تحت الإكراه، في قضية عدها المدعي العام بلا قيمة في المحكمة بسبب وحشية الاستجواب.
وقال ولد صلاحي "كنت ساذجًا للغاية، ولم أفهم كيف تسير الأمور في أميركا".
وتقول نيويورك تايمز إنه بعد عقدين على أحداث الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي يبقى إرث التعذيب في الولايات المتحدة -وبالنسبة لولد صلاحي- معقدا ومتعدد الوجوه؛ إذ قررت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن تنحية القيود القانونية والأخلاقية جانبًا باسم الأمن القومي.
وحسب الصحيفة الأميركية، فقد توقفت الولايات المتحدة عن استخدام "أسلوب الاستجواب المعزز" (التعذيب) في التحقيق مع المشتبه فيهم بعدما أثبتت الدراسات أنه أسلوب غير مثمر أو يأتي بنتائج عكسية، وذلك في السجون "السرية" التي أدارتها وكالة المخابرات الأميركية أو في معتقل غوانتانامو.
ومع ذلك -تستدرك الصحيفة- أن اللجوء لأسلوب التعذيب بموافقة الحكومة لا يزال وصمة عار تشوه سمعة البلاد وقوضت قدرتها على مواجهة القمع في أماكن أخرى من العالم.
وتتابع الصحيفة "حتى اليوم قد يتعرض بعض المسؤولين السابقين في إدارة بوش لمخاطر الاستجواب عند سفرهم إلى أوروبا بواسطة محققين يستندون إلى اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب".
وبعد لقائه الأول مع الرئيس الأميركي جو بايدن في يونيو/حزيران الماضي، ذكّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الصحفيين بأن غوانتانامو لا يزال مفتوحًا، وأن وكالة المخابرات المركزية الأميركية مارست التعذيب في سجون أجنبية سرية، وتساءل: "هل هذه من حقوق الإنسان؟"
وترى الصحيفة الأميركية أن مسألة التعذيب عقّدت جهود تقديم 5 متهمين بالتآمر في هجمات 11 سبتمبر للعدالة، وتنقل عن أديل ويلتي، التي توفي ابنها الذي كان يعمل بالإطفائية أثناء جهود مواجهة الحريق في يوم الهجوم؛ "كان هناك تعذيب".
الموريتاني
وعرض فيلم "الموريتاني" (The Mauritanian) الذي بدأ عرضه في شاشات السينما في فبراير/شباط الماضي قصة ولد صلاحي، مسلطا الضوء على قصة معتقل واحد من مئات السجناء داخل غوانتانامو، وكيف قضى سنوات في السجن من دون توجيه تهمة واضحة له أو حتى محاكمته.
تستند قصة فيلم "الموريتاني" إلى مذكرات ولد صلاحي التي نشرها عام 2015 بعنوان "مذكرات غوانتانامو"، وتصدرت قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعا، وكان إنتاج الفيلم بمثابة مخرج له، إذ مكنه من مغادرة موريتانيا لأول مرة منذ إطلاق سراحه.
ونشر ولد صلاحي مذكراته من خلف القضبان، ليصبح أول معتقل في غوانتانامو ينشر مذكراته خلال فترة أسره، وركز فيها على ما مرّ به من تعذيب قاسٍ، وسنوات سجن من دون محاكمة، ليكشف الجانب الوحشي لأميركا التي تدعي الديمقراطية.
المصدر : الجزيرة + نيويورك تايمز