مهمة موريتانيا المستحيلة للتوسط بين الجزائر والمغرب
رغم نفي مصادر دبلوماسية مغربية أي علم بوجود وساطة موريتانية، إلا أن نواكشوط تتحرك في حقل حساس للغاية لأن القطيعة جاءت من طرف الجانب الجزائري، وإذا كانت هناك أي مبادرة فستكون في اتجاه الجزائريين الذين بالقطع سيرفضون الركون إلى الحوار والاعتراف بخطأ قرارهم.
قبل أيام قليلة عبر وزير خارجية موريتانيا إسماعيل ولد الشيخ أحمد عن أمله في التوصل إلى حل، مضيفا “إنني أعلم أن الجميع هنا، وعن نية حسنة، يسألنا: أين أنتم ولماذا لم تتحركوا؟ ولكن هذا النوع من القضايا يدار بحكمة وبقدر من السرية لمن يريد أن يحقق نتيجة، لأنها قضية تتعلق بنا”، وهذا اعتراف ضمني بصعوبة الموقف الموريتاني وأيضا حتى لا يحسب على بلاده أنها فشلت في تحقيق أي تقدم في مساعيها.
لن تكون مبادرة نواكشوط الأولى من نوعها، ففي سبتمبر من العام 2018 استقبل وزير الخارجية الموريتاني في اجتماعين منفصلين سفير الجزائر لدى موريتانيا نورالدين الخندودي، ونظيره المغربي حميد شبار، كخطوة دبلوماسية من قبل موريتانيا للوساطة بين البلدين.
ما يهم موريتانيا هو أمن واستقرار فضاء الساحل والصحراء التي تتعرض للكثير من التحديات الأمنية والبيئية والاجتماعية، تفرض على نواكشوط تشاورا مع البلدان الرئيسية في المنطقة وعلى رأسها المغرب، الذي يمتلك مقومات كثيرة منها سياسته الاستخباراتية لمواجهة مخاطر الإرهاب والتهريب والمخدرات والجريمة المنظمة. لا يمكن أن تكون هناك تنمية مع وجود تلك المخاطر الوجودية لهذا يريد ولد الشيخ باتصالاته الجانبية وبذله الجهد ألا يفقد بلده آليات التواصل مع الرباط التي ساهمت في تطوير العلاقات الثنائية.
هناك طموح شخصي لوزير الخارجية الموريتاني؛ يريد أن يحسب له دبلوماسيا وسياسيا أنه استطاع إقناع الطرفين للجلوس على طاولة واحدة ومناقشة أسباب التوتر. هذا طموح مشروع، لكنه لن ينجح في مسعاه مادام النظام الجزائري مصرا على تصدير أزماته الداخلية إلى دول الجوار
نظرا إلى حساسية موقع موريتانيا المتاخمة لدول ذات طبيعة جيوسياسية وأمنية خاصة، ومن أجل تقييم تأثير تجربة ولد الشيخ الدبلوماسية والسياسية على حكومة بلده في علاج الأزمات الإقليمية، تحديدا ما يتعلق بالوساطة التي ينهجها ونتائجها، نختبر الفرضيات المتجذرة في علاقة بلده مع الرباط أو الجزائر.
هذه العلاقات معقدة في جوهرها وتحتاج إلى تغيير عقلية النظام الجزائري ومنهجية تعاطيه مع الجار المغربي، إلى ذلك الحين نستبعد أن يكون ولد الشيخ قادرا على اختراق جدار الصوت والعودة إلى ما قبل قرار الجزائر قطع علاقاتها مع الرباط.
مساعي موريتانيا فرضتها ظروف الجوار، ولن نقول إنها تريد لعب دور أكبر من حجمها، لكن أي توتر في المنطقة ستكون آثاره سلبية على الداخل الموريتاني، ولمسنا هذا الأمر عندما قطعت البوليساريو حركة النقل المدنية والتجارية عبر معبر الكركرات قبل أشهر إذ عانت الأسواق من شح المواد الغذائية، خاصة الخضر والفواكه القادمة من المغرب عبر الطريق البري الوحيد الذي يربط شمال موريتانيا بالمغرب الذي حرره الجيش المغربي في نوفمبر الماضي. ولا تريد نواكشوط أن يتكرر نفس الأمر مرة ثانية.
هناك طموح شخصي لوزير الخارجية الموريتاني؛ يريد أن يحسب له دبلوماسيا وسياسيا أنه استطاع إقناع الطرفين للجلوس على طاولة واحدة ومناقشة أسباب التوتر. هذا طموح مشروع، لكنه لن ينجح في مسعاه مادام النظام الجزائري مصرا على تصدير أزماته الداخلية إلى دول الجوار. والخوف أن يكتوي ولد الشيخ بشطحات العسكر في الجزائر.
لا شك أن ولد الشيخ خبير بدهاليز وآليات اشتغال الأمم المتحدة ويمتلك رصيدا مهما من العلاقات الشخصية. لكن، بعد فشل جهود ثلاث سنوات من الرحلات المكوكية في التوصل إلى حل سياسي بين الفرقاء باليمن كمبعوث للأمين العام للأمم المتحدة، نحن مقتنعون أن الملف الجزائري – المغربي سيكون أكثر استعصاء من الملفات التي عالج مضامينها بغض النظر عن نجاحه أو فشله.
هل سينجح ولد الشيخ في مسعاه؟ سؤال لا يستطيع أحد الإجابة عليه حتى ولد الشيخ نفسه، في بيئة جد معقدة وتزداد ملفاتها المتداخلة سخونة كل يوم، فعلى مستوى ممثل الدولة المحاذية للمغرب، نجد أن هناك جوانب معينة للهوية الثقافية والاجتماعية والسياسية المشتركة تجعل من المملكة الدولة الأكثر انفتاحا لطلب أو قبول وساطة موريتانيا كطرف ثالث، وهي بالفعل طرف في ملف الصحراء وحضرت عددا من جلسات الحوار في جنيف قبل عامين، لكن هذه الجوانب ليس لها تأثير على الحد من التوتر بين الجزائر والمغرب.
المغرب كان يتوقع قرار الجزائر، ومن الطبيعي أن يكون الموريتانيون على علم بمنطق التصعيد الذي لوحظ في الأسابيع الأخيرة ضد المملكة، وأيضا بالذرائع غير الواقعية التي ساقها الجانب الجزائري لتبرير قرار القطيعة.
نواكشوط تتحرك في حقل حساس للغاية لأن القطيعة جاءت من طرف الجانب الجزائري، وإذا كانت هناك أي مبادرة فستكون في اتجاه الجزائريين الذين بالقطع سيرفضون الركون إلى الحوار والاعتراف بخطأ قرارهم
بالنسبة إلى موريتانيا هي تراهن على ألّا تتأثر العلاقات الثنائية بتداعيات ما يحدث في المنطقة. وقد عبر المسؤولون المغاربة أكثر من مرة عن إرادة البلدين في مواصلة تعزيز روابط التعاون بينهما، والتنسيق في قضايا إقليمية، خصوصا أن العلاقات المغربية – الموريتانية ترتكز على عدة محاور سياسية ودبلوماسية وروحية وأمنية عززتها الجوانب الاقتصادية في الآونة الأخيرة.
المغرب لا يمكنه رفض مبادرة نواكشوط للتوصل إلى حل سياسي سلمي، لأنه يثق في الجانب الموريتاني ويعترف بالجهود التي تقوم بها موريتانيا في الإطار الإقليمي، خاصة في منطقة الساحل، وفي الإطار القاري الأفريقي والذي عرف في السنوات الأخيرة حضورا قويا لموريتانيا في مجموعة من الملفات.
يحتاج الموريتانيون إلى مقاربة بديلة تجاه الجزائريين قد تنجح في اختراق القضايا الأساسية التي تعيق تطبيع العلاقات المغربية – الجزائرية، والتي هي كثيرة ومعقدة، ويصعب على أي محاولة للدبلوماسية الموريتانية استيعابها ومن ثم تجاوزها. الموضوع يحتاج إلى الكثير من الفهم واستيعاب ظروف توتر العلاقات الثنائية التي تمتد لأكثر من أربعين سنة. والهدف الأساسي هو الإبقاء على الوضع الحالي والحيلولة دون تدهوره نحو حرب إقليمية.
رغم أن المغرب مد يد المصالحة إلا أن رفض النظام الجزائري يؤكد الحاجة لجهود كبيرة لابتكار آليات حوار مبني على الثقة. نعتقد أن الموقف الجزائري لن يتغير ونستدعي هنا ما قاله عبدالقادر مساهل عام 2015، عندما كان يشغل منصب وزير منتدب لدى وزير الشؤون الخارجية الجزائرية مكلف بالشؤون المغاربية والأفريقية، ردا على تسريبات عن وساطة بين المغرب والجزائر “لا أزمة ولا وساطة بين البلدين”. وتتكرر الآن نفس النغمة غير الواقعية بأن المغرب متحامل على الجزائر.
ونظرا لمقولة “الجزائر ليست في حاجة إلى وساطة”، التي تحولت إلى لازمة يكررها المسؤولون والإعلاميون في الجزائر، للتنفيس عن الضغوط الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، لا يصعب التوقع بأن مهمة موريتانيا في أي وساطة هي مهمة شبه مستحيلة.
محمد ماموني العلوي - العرب اللندنيه