سرطان الخبرة والتجربة….

لا شك في أهمية الخبرة و التجربة بالنسبة لتقلد المناصب في الدولة فالخبرة مهمة في التعامل مع المشاكل المطروحة وكيفية حلها بالشكل المطلوب.

ومن البديهي أن الخبرة والتجربة أدوات تمييز مهمة للكادر البشري في مجال شغل المناصب في الإدارة وفي الدولة عموما، ولكن يبقى المنقص والعائق أمام أصحاب الخبرات والتجارب هي أن أصحابها - في وطننا - غالبا ما يتميزون بالفساد ويكتسبون مهارات خارقة في التفنن في أكل المال العام بطرق قد يصعب إدراكها أو على الأقل تكييفها كجرائم فساد من قبل المفتشين، وذلك عائد بالدرجة الأولى إلى الخبرة و التجربة والتمرس، لينقلب السحر على الساحر ويكون اختيار الشخص على أساس معيار الخبرة والتجربة كأدوات بناء أصبحت معاول هدم لا غير.

وهذا ما ميز نمط حكم و إدارة شؤون الدولة عبر عشرات السنين للأسف، فغالبية من تم تصنيفهم كمفسدين من طرف هيئات الرقابة والتفتيش غالبا ما يتميزون بالخبرة و التجربة الكافية للنهوض بالقطاع وتحسين الخدمة، ولكن سخر أصحاب هذه التجربة والخبرة كل قدراتهم ومميزاتهم التفضيلية في الإبداع في أساليب الفساد والنهب والاحتيال - المقونن - و العمل بتفاني على تضليل هيئات الرقابة والتفتيش قدر الإمكان و التي أصيبت هي الأخرى بنسبة كبيرة بداء سرطان الفساد المصاحب للخبرة والتجربة،

فكلما كان الشخص فيها قديما تجده في الغالب مقتنعا بالمشاركة في الكعكة وغالبا ما يسخر كل تجاربه وخبراته لكشف الفساد في طمس آثار الجريمة والتمالؤ مع الموظف وتكوين علاقة غير شرعية مبنية على المنافع الخاصة على حساب المهمة والوطن والمواطن.

وانطلاقا من المعطيات آنفة الذكر أظن بأنه حان الوقت للاستثمار في طاقات جديدة ومتجددة، واختيار كفاءات نظيفة خالية من شوائب الخبرة والتجربة المسرطنة بداء الفساد، وتكويناها على نمط جديد من العمل وتسخير الجهود لبناء الدولة و المجتمع بعيدا عن الأنا وتكريس الوظيفة لبناء الذات، صحيح أن هذا يحتاج تضحية في الوقت والجهد و الموارد ولكن كل ذلك يهون سبيلا في إعادة تأسيس دولة مدنية قادرة على احتضان الجميع دون تمييز، ويشعر كل فرد فيها بالانتماء الحقيقي لها دون غبن أو إقصاء؛ بعيدا عن دولة أهل لخيام المبنية على المحاصصة و الشرائحية و الفئوية التي تتغذى دوما على الفساد المالي والإداري.

اندحمودي خطاري

28 July 2024